
في مدينة قديمة تقع بين جبلين، كانت هناك مكتبة مهجورة لا يجرؤ أحد على دخولها. لم تكن كبيرة أو فخمة، لكنها كانت تُعرف باسم "بيت الذاكرة الأخيرة". يقولون إن من يدخلها، لا يخرج بنفس العقل.
في أحد الأيام، جاء باحث في الظواهر الغريبة يُدعى "نزار". لم يكن يخاف، بل كان يطارد ما يهرب منه الناس. سمع عن المكتبة من عجوز في سوق شعبي قال له بصوتٍ كأنّه يهمس من عالم آخر:
"ستجد ما لا ينبغي أن يُفتح... الغرفة التي لا تُرسم على الخرائط."
دخل نزار المكتبة، وكل شيء فيها كان مغطى بالذباب صغير في آخر الممر. لم يكن في أي مخطط عمراني أو صورة جوية. فتح الباب... ودخل.
الغرفة كانت صغيرة جداً، بها مرآة كبيرة في الجدار. لا شيء غريب حتى الآن... إلا أن المرآة لم تعكس صورته، بل انعكست فيها غرفة أخرى تمامًا — أكبر، مضاءة، وفيها رجل يجلس على كرسي، يكتب في دفتر.
اقترب نزار من المرآة. الرجل في الداخل رفع رأسه، وحدّق به.
كان نزار نفسه.
لكن النسخة الأخرى منه كانت تكتب جملة واحدة مراراً وتكراراً:
"لا توقظ من في الجدار، لا توقظ من في الجدار..."
فجأة، بدأ الزجاج يرتجّ، وامتدّ ظل أسود من داخل المرآة، لا يملك ملامح… فقط عينان واسعتان تحدّقان بلا رمش. صرخ نزار، حاول التراجع، لكن الأرض تحته صارت رطبة، كأنها تتنفس.
حين وُجد نزار لاحقًا، كان جالسًا في المكتبة، يكتب الجملة نفسها في دفتر مغطى بالغبار...
"لا توقظ من في الجدار."
ولم يُفتح ذلك الباب الصغير مجددًا… لأن لا أحد يجده على الإطلاق.
تعليقات